مرصد الازهر يسلط الضوء على توظيف السينما في الانتخابات الهندية وأثره في الوعي السياسي للناخبين

[ad_1]


قال مرصد الازهر لمكافحة التطرف في تقرير له، إن الصورة التي تقدمها السينما دائمًا ما تنطبع في ذهن المُشاهد، إذ تُسهم في رسم الصورة الذهنية تجاه القضايا المُختلفة؛ وهذا يؤثر بطبيعة الحال في سلوك المشاهد، فضلًا عن أن المشاهد يضع نفسه لا شعوريًا في موضع الممثلين، ويتقبل الطريقة التي يتصرفون بها والحلول التي اكتشفوها لمشكلاتهم. بذلك يتضح دور السينما في تشكيل الوعي العام للجمهور، وبهذا يزداد دور الفن عمومًا -والسينما خصوصًا- في تكوين الصورة لدى الأفراد، وتأثيرها في الوعي السياسي. والحقيقة أن الأحزاب السياسية في الهند استخدمت السينما ضمن وسائل التأثير في قرار الناخبين في خلال أكبر عملية انتخابية في تاريخ الهند، بدأت في أبريل 2024 والمستمرة حتى يونيو 2024.


وتابع التقرير الصادر من وحدة اللغة الاردية : واستغل حزب “بهاراتيا جانتا” الحاكم بقيادة رئيس الوزراء “ناريندرا مودي”، الساعي للحصول على دورة ثالثة في الحكم، السينما للترويج لأهدافه ونظرياته، إذ تدعم حكومة مودي بصورة علنية الأفلام التي تروج لأيديولوجية “بهاراتيا جانتا” من خلال منح إعفاءات ضريبية وإزالة القيود التنظيمية، خصوصًا عندما تتماشى مع الاستراتيجية الانتخابية للحزب.


ومن الملاحظ زيادة عدد الأفلام التي تركز على أيديولوجية الأحزاب الهندوسية في السنوات القليلة الماضية. وفي مثل هذه الأجواء يُطرح سؤال، هو: هل يمكن لهذه الأفلام أن تؤثر في الانتخابات البرلمانية في البلاد؟ قبل الانتخابات البرلمانية في 2019م بثلاثة أشهر تقريبًا، صدر فيلم “The Accidental Prime Minister” (رئيس الوزراء بالمصادفة) الذي يصور رئيس الوزراء “مانموهان سينغ” وهو أسير لدى قيادة حزب “المؤتمر”. وفي العام نفسه أُصدِر فيلم “The Tashkent Files – Who Killed Shastri?” (ملفات طشقند… من قتل شاستري؟) الذي تدور أحداثه عن وفاة رئيس وزراء الهند السابق لال بهادور شاستري.


وفي ذلك الوقت، زُعم أن كلا الفيلمين أُنتِجا لاستهداف حزب “المؤتمر”، وهو الحزب المعارض لحزب “بهاراتيا جانتا” الحاكم. وفي العامين السابقين، ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية 2024، أُعلِن عن ثلاثة أفلام مماثلة، هي: فيلم “The Kerala Story” (قصة كيرالا)، الذي تدور أحداثه عن ثلاث نساء من ولاية كيرالا، اعتنقن الإسلام وانضممن إلى تنظيم “داعش” الإرهابي في العراق والشام. وتوالت المطالبات بمنع عرض الفيلم في عدد من الولايات الهندية باعتباره مسيئًا للمسلمين، ويسهم في نشر الكراهية الطائفية والدعاية ضد المسلمين. إلا أن هذه المطالبات لم تفلح في ولاية كيرالا حيث رفضت المحكمة العليا حظر الفيلم.


كما أشاد رئيس الوزراء ناريندا مودي به، وقال إنه يسلط الضوء على “تبعات الإرهاب والإرهابيين”. يتقاطع الفيلم مع السردية التي يعتمدها الخطاب الهندوسي العنصري في الهند، التي يتبناها حزب “بهاراتيا جانتا” الحاكم؛ فالفيلم لا يعرض لقصص بعض الفتيات فقط، بل يشير إلى أن العدد يبلغ 32 ألف فتاة في مقاطعة هندية واحدة. وقال بعض النقاد إن الفيلم يروج لنظرية المؤامرة المعادية للإسلام التي تٌسمى بـ “جهاد الحب”، وتزعم هذه النظرية أن الرجال المسلمين يستهدفون النساء الهندوسيات لاعتناق الإسلام عن طريق الحب والزواج. وهذا بعكس أفلام عدة تتناول قضايا حساسة وتجنح نحو الخيال وتتبرأ من تصوير الواقع لتفادي أية أزمات أو مشاحنات، فقد تناولت عدة أفلام ومسلسلات عربية وغربية ظاهرة تجنيد تنظيم الدولة النساءَ والشبابَ، وقدمت معالجات اختلف البعض معها واتفق آخرون، لكنها في النهاية لم تصل إلى اللعب على الوتر الطائفي داخل أي من المجتمعات الغربية أو العربية أو المسلمة. الفيلم الثاني “The Kashmir Files” (ملفات كشمير) الذي يصور مذبحة البانديت الهندوس إبّان النزوح من كشمير على يد المتمردين في التسعينيات؛ وقد نال هذا الفيلم دعمًا قويًا من حزب “بهاراتيا جانتا”.


وزعم الحزب أن الفيلم كشف ما حدث للكشميريين البانديت في خلال النزوح من كشمير (البانديت طائفة هندوسية في كشمير، هجروا بيوتهم في خلال تمرد ضد الحكم الهندي لكشمير الذي بدأ في ثمانينيات القرن الماضي). وكان حزب بهاراتيا جانتا قد أعلن أن الفيلم معفى من الضرائب في الولايات الحاكمة. وقد صدر الفيلم في 11 من مارس 2022 وحقق نجاحًا كبيرًا؛ ويحكي قصة طالب جامعي يكتشف أن والديه الهندوسيين من سكان كشمير قد قتلا بيد مسلحين إسلاميين. وأدى عرض الفيلم إلى انقسام في الرأي العام، وأثار جدلا حادًا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أثنى عليه البعض بسبب إلقائه الضوء على فصل غير متداول من تاريخ كشمير، لكن نقادًا وصفوه بالانتهازية وإثارة الإسلاموفوبيا.


الفيلم الثالث كان “The Vaccine War” (حرب اللقاحات)؛ ويحكي قصة اكتشاف لقاح لوباء كوفيد 19 في الهند، وعن البطولات والجهود التي بذلها الأطباء والحكومة في سبيل التغلب على تلك الأزمة المميتة. ومن بين هذه الأفلام الدعائية التي استغلها حزب “بهارتيا جناتا” حظي فيلم “قصة كيرالا” بإعجاب قادة الحزب، ووصل الأمر إلى إشادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي به في حشد عام، وهي السردية التي يرى فيها مسلمو الهند شيطنةً لمسلمي البلاد ووصمهم بالإرهاب، ثم تبرير الإجراءات العنصرية والانتقامية التي تقودها المعارضة، الأمر الذي يهدد السلم الأهلي والتجانس الاجتماعي في شبه القارة العامرة بمختلف اللغات والأديان والعرقيات.


وبعد ذلك، عُرِض في عام 2024م العديد من الأفلام ذات المنظور الهندوسي التي تبرز بطولات الهندوس، ومن أبرزها فيلم “Swatantrya Veer Savarkar”، إذ تتبع العمل السيرة الذاتية للمناضل السياسي والمُصلح الهندي (فيناياك دامودار سافاركار) الذي أسهم في تنوير عقول المواطنين الهنود ونشر مبادئ الحرية بينهم. وقد تعرض الفيلم لانتقادات بسبب تشويهه المعلومات التاريخية من منظور هندوسي. كما عُرِض الفيلم الذي يحمل عنوان “المادة 370″، وتدور أحداثه عن إلغاء المادة “370”من الدستور الهندي التي أعطت وضعًا خاصًا لكشمير؛ إذ تتيح تلك المادة لولاية جامو وكشمير، ذات الأغلبية المسلمة، وضع قوانينها الخاصة.


ويبرر الفيلم موقف حزب “بهاراتيا جانتا” وقضائه على الإرهاب والصراع الاقتصادي من خلال إلغاء المادة 370. كما عُرض في مارس الماضي فيلم ” Accident and Conspiracy: Godhra” (حادث ومؤامرة: جودهرا) المستوحى من حادثة حرق القطار عام 2002 في جودهرا بولاية الكوجرات وأدى إلى مقتل عشرات الحجاج الهندوس، وألقي اللوم على المسلمين في الحادثة، ما أدى إلى أعمال عنف وقتل طالت مواطنين مسلمين وتدمير ممتلكاتهم ومساجدهم. ويقال إن الفيلم يستند إلى تقرير لجنة نانافاتي التي شُكِلَت للتحقيق في الحادثة، وخلُصت إلى أن حرق القطار كان بسبب هجوم مسلمين على القطار. تجدر الإشارة إلى أن التليفزيون الوطني الهندي قد أعاد عرض فيلم “قصة كيرلا”، كما أن التليفزيون الوطني قد غير شعاره إلى اللون الزعفراني – الأمر الذي رفضه رئيس وزراء ولاية كيرالا “بيناراي فيجايان”، فقال في احتجاجه على موقع التواصل الاجتماعي “إكس”: “إن التليفزيون الوطني لا ينبغي أن يصبح وسيلة دعائية لحزب بهاراتيا جانتا من خلال عرض هذا الفيلم الذي قد يؤدي إلى توتر طائفي قبل الانتخابات”. ومن الواضح أن نهج حزب “بهارتيا جناتا” في استغلال السينما للتأثير في الناخبين الهنود سيؤتي ثماره، فعلى مستوى الخطاب نجد تركيز خطاب الحزب – في السينما وغيرها – على تعرض الهندوس للتهميش والاستبعاد من دوائر صنع القرار بالحكومة الهندية على مدار عقود من سيطرة حزب المؤتمر الوطني الهندي (الذي يتعرض له في الأفلام التي يروج لها)، واتهامه بأنه يعمل على مهادنة المسلمين واسترضائهم على حساب المعتقدات الدينية الهندوسية، والربط بين التصويت لصالح حزب بهاراتيا جانتا وحماية العقيدة الهندوسية. إذ يرتكز حزب “بهاراتيا جانتا” في أيديولوجيته على «عقيدة الهندوتافا» ويروج لها؛ وهي عقيدة تعبر عن القومية الهندوسية الراديكالية، وبحسب «عقيدة هندوتافا» فإن المسلمين هم العدو الرئيس للهندوس وهم غزاة دخلاء على الهند لطالموا ظلموا الهندوس عبر التاريخ. وترتكز «هندوتافا» على سردية مزيفة للتاريخ تزعم أن الهندوسية تعبر عن هوية الهند وتاريخها الوحيد، وكان هذا الفكر القومي الهندوسي اليميني المتطرف بدأ بالتشكل في عشرينيات القرن العشرين على يد الكاتب والسياسي «فيناياك دامودار سافاركار» الذي وضع التنظيرات الأولى لعقيدة الهندوتافا. وقبل الصعود السياسي لحزب بهاراتيا جانتا كانت «عقيدة الهندوتافا» تعتبر وجهة نظر راديكالية هامشية، لا يفكر أي هندي موضوعي في تبنيها، كما لم تكن منتشرة بين الجمهور الهندوسي نفسه؛ ولكن نجاح حزب بهاراتيا جانتا في نشر هذه العقيدة بين قطاعات اجتماعية هندوسية واسعة وإلهاب حماسهم ضد الإسلام والمسلمين الهنود قد غير الواقع الاجتماعي والسياسي في الهند في الثلاثين عامًا الماضية. 


 

[ad_2]

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *